responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 280
[كِتَابُ الْعِلْمِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
198 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[2] كِتَابُ الْعِلْمِ
أَيْ: فَضْلُهُ وَفَضْلُ تَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَبَيَانُ مَا هُوَ عِلْمٌ شَرْعًا، وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَيَكُونُ ذِكْرُهُ بَعْدَ بَابِ الِاعْتِصَامِ مِنْ بَابِ التَّعْمِيمِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ، وَالْعِلْمُ نُورٌ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ مُقْتَبَسٌ مِنْ مَصَابِيحِ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَالْأَفْعَالِ الْأَحْمَدِيَّةِ، وَالْأَحْوَالِ الْمَحْمُودِيَّةِ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ، فَإِنْ حَصَلَ بِوَاسِطَةِ الْبَشَرِ فَهُوَ كَسْبِيُّ، وَإِلَّا فَهُوَ الْعِلْمُ اللَّدُنِّيُّ الْمُنْقَسِمُ إِلَى الْوَحْيِ وَالْإِلْهَامِ وَالْفَرَاسَةِ، فَالْوَحْيُ لُغَةً إِشَارَةٌ بِسُرْعَةٍ وَاصْطِلَاحًا كَلَامٌ إِلَهِيٌّ يَصِلُ إِلَى الْقَلْبِ النَّبَوِيِّ. فَمَا أَنْزَلَ صُورَتَهُ وَمَعْنَاهُ وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ فَهُوَ الْكَلَامُ الْإِلَهِيُّ. وَمَا نَزَلَ مَعْنَاهُ عَلَى الشَّارِعِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِكَلَامِهِ فَهُوَ الْحَدِيثُ النَّبَوِيُّ، وَهَذَا قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فِي مَحَلِّ الشُّهُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] وَقَدْ يَكُونُ بِوَاسِطَةِ نُزُولِ الْمَلَكِ، أَيْ: بِنُزُولِهِ مِنَ الصُّورَةِ الْمَلَكِيَّةِ إِلَى الْهَيْئَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْحَقُّ، فَكَلَّمَ أَوَّلًا مُحَمَّدًا بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ، وَثَانِيًا أَصْحَابَهُ بِوَاسِطَةِ مُحَمَّدٍ، وَثَالِثًا التَّابِعِينَ بِوَاسِطَةِ الصَّحَابَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا. وَقَدْ يَكُونُ بِنَفْثِهِ قِي قَلْبِهِ بِأَنْ يُلْقِيَ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِصُورَةِ أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي، وَالْإِلْهَامُ لُغَةً الْإِبْلَاغُ، وَهُوَ عِلْمٌ حَقٌّ يَقْذِفُهُ اللَّهُ مِنَ الْغَيْبِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [سبأ: 48] وَالْفَرَاسَةُ عِلْمٌ يَنْكَشِفُ مِنَ الْغَيْبِ بِسَبَبِ تَفَرُّسِ آثَارِ الصُّوَرِ، «اتَّقَوْا فَرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِلْهَامِ وَالْفِرَاسَةِ أَنَّهَا كَشْفُ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ بِوَاسِطَةِ تَفَرُّسِ آثَارِ الصُّوَرِ، وَالْإِلْهَامُ كَشْفُهَا بِلَا وَاسِطَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِلْهَامِ وَالْوَحْيِ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلْوَحْيِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، ثُمَّ عِلْمُ الْيَقِينِ مَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَعَيْنُ الْيَقِينِ مَا كَانَ بِطَرِيقِ الْكَشْفِ وَالنَّوَالِ، وَحَقُّ الْيَقِينِ مَا كَانَ بِتَحْقِيقِ الِانْفِصَالِ عَنْ لَوْثِ الصَّلْصَالِ لِوُرُودِ رَائِدِ الْوِصَالِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
198 - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بِالْوَاوِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بَلِّغُوا عَنِّي) : أَيِ: انْقُلُوا إِلَى النَّاسِ، وَأَفِيدُوهُمْ مَا أَمْكَنَكُمْ، أَوْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِمَّا سَمِعْتُمُوهُ مِنِّي، وَمَا أَخَذْتُمُوهُ عَنِّي مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، أَوْ تَقْرِيرٍ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ (وَلَوْ آيَةً) أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْمُبَلَّغُ آيَةً وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ الظَّاهِرَةُ. قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: وَإِنَّمَا قَالَ " آيَّةً " لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا يُفِيدُ فِي بَابِ التَّبْلِيغِ، وَلَمْ يَقُلْ حَدِيثًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْآيَاتِ إِذَا كَانَتْ وَاجِبَةَ التَّبْلِيغِ مَعَ انْتِشَارِهَا، وَكَثْرَةِ حَمَلَتِهَا لِتَوَاتُرِهَا، وَتَكَفُّلِ اللَّهِ تَعَالَى بِحِفْظِهَا وَصَوْنِهَا عَنِ الضَّيَاعِ وَالتَّحْرِيفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] فَالْحَدِيثُ مَعَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ مِمَّا ذُكِرَ أَوْلَى بِالتَّبْلِيغِ، وَأَمَّا لِشِدَّةِ اهْتِمَامِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِنَقْلِ الْآيَاتِ لِبَقَائِهَا مِنْ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ، وَلِمَسَاسِ الْحَاجَةِ إِلَى ضَبْطِهَا وَنَقْلِهَا إِذْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَاتُرِ أَلْفَاظِهَا، وَالْآيَةُ مَا وُزِّعَتِ السُّورَةُ عَلَيْهَا اهـ.
وَالثَّانِي: أَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَالَ الْمَظْهَرُ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ، نَحْوَ: مَنْ صَمَتَ نَجَا، وَالدِّينُ النَّصِيحَةُ، أَيْ: بَلِّغُوا عَنِّي أَحَادِيثِي، وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قَالَ وَلَوْ آيَةً وَلَمْ يَقُلْ وَلَوْ حَدِيثًا مَعَ أَنَّهُ الْمُرَادُ؟ قُلْنَا: لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُبَلِّغُهُمْ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّ طِبَاعَ الْمُسْلِمِينَ مَائِلَةٌ إِلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَنَشْرِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ اهـ.

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 280
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست